فضائح قديمة..
في رواية عالمية شهيرة للأمريكي كون سيلرز، رواية اختارت التأريخ الروائي للدعارة، أو فلنقل لعاهرة بعينها، هي “راني لين”، بطلة الرواية المعنونة بـ “امرأة في القمة”، سيرة لعاهرة بنمية استطاعت من خلال تأجير جسدها أن تصل إلى أعلى مراتب المجتمع سياسيا واجتماعيا، لتصنع لنفسها مكانة ورفعة، ثم تحاول أن تطمر كل الأشياء الشنيعة التي قامت بها، عن طريق نفوذها الحاصل عن طريق أطرافها المستباحة، ثم عن طريق الزمن الذي قد يضفي الوقار على من يدعونه كذبا.
لم تنجح العاهرة البنمية في أن تزيل تاريخها القديم، رغم كل السلطة التي استجمعتها، ورغم كل المجد الذي حصّلته، فهناك دائما زبون قديم يأتي ليذكرها بتلك الليالي التي كانت تقدم فيها جسدها من أجل كأس كونياك رخيص، أو من أجل قطعة نقدية محدودة، ولسوء الحال، أنها كانت ترمي سيدات المجتمع الراقي ممن التحقت بهن مؤخرا بالعهر والفجور، لدرجة أنها كانت تبتز كل من لا يرضخ لها بفضيحة مصطنعة، فوقارها الذي قد يمنعها من ذلك ضاع مع ضياع حرمة جسدها منذ سنين.
الحكمة من هذا العمل الروائي الجميل، هو أن الذي قد يتهمنا باطلا بما فيه، وبشكل عصابي وجنوني، هو لايفعل حقيقة، سوى أنه يحاول أن يتخلص من شيء فيه، شيء يعرفه تماما، ومارسه بكل اكتمال، وحينما تاب منه، أو حاول، صار يرمي الأخرين به، أو مايسمى في علم النفس المرضي : إسقاط نفسي projection psychologique، ويعتبر ألية دفاعية ينسب فيها عيوبه، ورغباته المحرمة، والعدوانية لغيره حتى يبرئ نفسه، ويبعد عنها الشبهات سواء بشكل ظاهر أو خفي، فإذا كان يكذب يرمي الناس بالكذب، وإن كان يمارس الدعارة فيرمي الناس بها، وأيضا أن يسطو على الفرق واللاعبين ويكون هو أول من يمارس الاندماج، ثم يجعل من الأمر من بعده جرما لم يقم به أبدا، فهذا إسقاط نفسي مرضي وممارسة دعارة ورمي الناس بها في نفس الوقت.
كانت هذه محاولة بسيطة لتأصيل الاضطرابات العميقة التي تتشابك في مكونات فريق ما، الفريق الذي يخبئ من “البلاوي” ما لن نستطيع نحن في هذا العصر أن نكتشفه لوحدنا، فسنعيش نصيبنا منه، والباقي سنتركه لرجاويي المستقبل، أحفادنا، لأنها ببساطة بلاوي وفضائح قائمة على اضطرابات نفسية وتضخم عجيب في الأنا، وتزوير للماضي البعيد والقريب وللحاضر، وللمستقبل أيضا، فالفريق الذي رمانا بالاندماج والانسحاب، وهو الذي قام في نفس الوقت بهذه الأمور بشكل مضاعف يستحق أن يكون أول فريق في تاريخ الطب يلزمه زيارة طبيب نفسي، ولكننا نعذرهم من جانب آخر، فما دمنا نحن نرميهم بالخماسيات والثلاثيات، والشعابنيات والرمضانيات، ونكتب بدلا عنهم السطر الأخير، فلن يترك لهم شيء سوى أن يرموننا بفضائحهم القديمة، فضائح بائعات الهوى التائبات.